فصل: الآية الثانية والثلاثون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية الثلاثون:

{فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا (103)}.
{فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ}: أي فرغتم من صلاة الخوف، وهو أحد معاني القضاء، ومثله: {فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ} [البقرة: 200] وقوله: {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10].
{فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ}: أي في جميع الأحوال، حتى في حال القتال.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو أثر صلاة الخوف، أي إذا فرغتم من الصلاة فاذكروا اللّه في هذه الأحوال، وقيل: معنى قوله: {فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} إلخ إذا صليتم فصلوا قياما وقعودا وعلى جنوبكم حسبما تقتضيه الحال عند ملاحمة القتال، فهي مثل قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْبانًا} [البقرة: 239].
{فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ}: أي إذا أمنتم وسكنت قلوبكم.
والطمأنينة: سكون النفس من الخوف.
{فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أي فأتوا بالصلاة التي دخل وقتها على الصفة المشروعة من الأذكار والأركان، ولا تغفلوا ما أمكن فإن ذلك إنما هو في حال الخوف.
وقيل: المعنى في الآية أنهم يقضون ما صلوه في حال المسابقة، لأنها حالة قلق وانزعاج وتقصير في الأذكار والأركان، وهو مروي عن الشافعي، والأول أرجح.
{إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا (103)}: أي محدودا معينا، يقال: وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت.
والمعنى أن اللّه افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحددة، لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا بعذر شرعي من نوم وسهو أو نحوهما.

.الآية الحادية والثلاثون:

{وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيرًا (115)}.
{وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى} المشاققة: المعاداة والمخالفة.
وتبيّن الهدى: ظهوره بأن يعلم صحة الرسالة، بالبراهين الدالة على ذلك، ثم يفعل المشاققة.
{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}: أي غير طريقهم، وهو ما هم عليه من دين الإسلام، والتمسك بأحكام رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كما قال تعالى: {إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا الآية} [النور: 51]، وقال تعالى: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ الآية} [النساء: 59].
وقال عز من قائل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: 65] الآية، إلى غير ذلك.
{نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى}: أي نجعله واليا لما تولاه من الضلال، {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيرًا (115)}.
وقد استدل جماعة من أهل العلم، بهذه الآية على حجية الإجماع، لقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}، ولا حجة في ذلك عندي لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره، كما يفيده اللفظ ويشهد به السبب، فلا يصدق على عالم من علماء هذه الملة الإسلامية، اجتهد في بعض مسائل دين الإسلام، فأدّاه اجتهاده إلى مخالفة من بعصره من المجتهدين، فإنما رام السلوك في سبيل المؤمنين، وهو الدين القويم، والملة الحنفية، ولم يتبع غير سبيلهم.
وأخرج الترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لا يجمع اللّه هذه الأمة على الضلالة أبدا، ويد اللّه على الجماعة، فمن شذ شذ في النار».
وأخرجه الترمذي والبيهقي أيضا عن ابن عباس مرفوعا.

.الآية الثانية والثلاثون:

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}.
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} سبب نزول هذه الآية سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغيره، فأمر اللّه نبيه أن يقول لهم: {اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} أي يبيّن لكم حكم ما سألتم عنه.
وهذه الآية رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء، وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها فسألوا فقيل لهم: {اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}.
{وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ} معطوف على قوله: {اللَّهُ يُفْتِيكُمْ}.
والمعنى: والقرآن الذي يتلى عليكم يفتيكم فيهن، والمتلو في الكتاب في معنى اليتامى قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى} [النساء: 3].
ويجوز أن يكون قوله: {وَما يُتْلى} معطوفا على الضمير في قوله: {يُفْتِيكُمْ} الراجع إلى المبتدأ، لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمفعول والجار والمجرور.
ويجوز أن يكون مبتدأ، وفي الكتاب خبره، على أن المراد به اللوح المحفوظ، وقد قيل في إعرابه غير ما ذكرنا ولم نذكره لضعفه.
وقوله: {فِي يَتامَى النِّساءِ} على الوجه الأول والثاني صلة، لقوله: {يُتْلى}، وعلى الوجه الثالث، بدل من قوله: {فِيهِنَّ}.
{اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ} وفرض {لَهُنَّ} من الميراث وغيره.
{وَتَرْغَبُونَ} معطوف على قوله: {لا تُؤْتُونَهُنَّ} عطف جملة مثبتة على جملة منفية، وقيل: حال من فاعل {تُؤْتُونَهُنَّ}.
وقوله: {أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} يحتمل أن يكون التقدير ترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن، ويحتمل أن يكون التقدير وترغبون في أن تنكحوهن لعدم جمالهن.
وقوله: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} معطوف على يَتامَى النِّساءِ، أي وما يتلى عليكم في المستضعفين {مِنَ الْوِلْدانِ} وهو قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] وقد كان أهل الجاهلية لا يورّثون النساء، ولا من كان مستضعفا من الولدان، وإنما يورّثون الرجال القائمين بالقتال وسائر الأمور.
{وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ} معطوف على قوله: {فِي يَتامَى النِّساءِ} كالمستضعفين، أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء، وفي المستضعفين، وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط: أي العدل. ويجوز أن يكون في محل نصب، أي: ويأمركم أن تقوموا.
{وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ} في حقوق المذكورين أو من شرّ فيه ففيه اكتفاء.
{فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيمًا (127)} يجازيكم بحسب فعلكم.

.الآية الثالثة والثلاثون:

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزًا أَوْ إِعْراضًا فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}.
{وَإِنِ امْرَأَةٌ}: مرفوعة بفعل مقدّر يفسره ما بعده، أي وإن خافت امرأة، بمعنى توقعت ما يخاف من زوجها.
وقيل: معناه تيقنت، وهو خطأ.
{مِنْ بَعْلِها نُشُوزًا} أي دوام النشوز والترفع عليها بترك المضاجعة، والتقصير في النفقة، {أَوْ إِعْراضًا} عنها بوجهه.
وقال النحاس: الفرق بين النشوز والإعراض: أن النشوز التباعد، والإعراض أن لا يكلمها ولا يأنس بها.
وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند مخافة نشوز أو إعراض، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والظاهر أنه يجوز التصالح بأي نوع من أنواعه، إما بإسقاط النوبة، أو بعضها، أو بعض النفقة، أو بعض المهر.
{فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما} هكذا قرأ الكوفيون: {أَنْ يُصْلِحا}، وقراءة الجمهور أولى لأن قاعدة العرب أن الفعل إذا كان بين اثنين فصاعدا قيل: تصالح الرجلان، أو القوم، لا أصلح، وصُلْحًا منصوب على أنه اسم مصدر، أو على أنه مصدر محذوف الزوائد، أو منصوب بفعل محذوف، أي فيصلح حالهما صلحا، وقيل: هو منصوب على المفعولية.
يقال: أصلحت ما بين القوم، والمعنى فيهما: أن الزوجين يجتمعان على صلح يتفقان عليه، وذلك أن المرأة تكره الفراق، فتدع بعض حقها من الفراش للزوج فيؤثر به غيرها من نسائه، {والصُّلْحُ خَيْرٌ} لفظ عام، يقتضي أن الصلح الذي تسكن إليه النفوس، ويزول به الخلاف، خير على الإطلاق، أو خير من الفرقة، أو الخصومة، أو النشوز والإعراض، وهذه الجملة اعتراضية.

.الآية الرابعة والثلاثون:

{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}.
{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا}: أخبر سبحانه وتعالى بنفي استطاعتهم للعدل.
{بَيْنَ النِّساءِ} على الوجه الذي لا ميل فيه البتة، لما جبلت عليه الطباع البشرية، من ميل النفس إلى هذه دون هذه، وزيادة هذه في المحبة ونقصان هذه، وذلك بحكم الخلقة، بحيث لا يملكون قلوبهم، ولا يستطيعون توقيف أنفسهم على التسوية.
ولهذا كان يقول الصادق المصدوق صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك».
رواه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن المنذر عن عائشة، وإسناده صحيح.
{وَلَوْ حَرَصْتُمْ} على العدل بينهنّ في الحبّ.
{فَلا تَمِيلُوا} إلى التي تحبونها في القسم والنفقة.
ولمّا كانوا لا يستطيعون ذلك، ولو حرصوا عليه وبالغوا فيه، نهاهم اللّه عز وجل أن يميلوا {كُلَّ الْمَيْلِ} لأن ترك ذلك، وتجنب الجور كل الجور في وسعهم، وداخل تحت طاقتهم، فلا يجوز لهم أن يميلوا إلى إحداهن عن الأخرى كل الميل، كما قال: فَتَذَرُوها: أي الأخرى، {كَالْمُعَلَّقَةِ} التي ليست ذات زوج، ولا مطلقة يشبهها بالشيء الذي هو معلق غير مستقر على شيء، لا في الأرض ولا في السماء.

.الآية الخامسة والثلاثون:

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}.
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ}: الخطاب لجميع من أظهر الإيمان من مؤمن ومنافق لأن من أظهر الإيمان فقد لزمه أن يمتثل ما أنزل اللّه.
وقيل: إنه خطاب للمنافقين فقط، كما يفيده التشديد والتوبيخ.
{أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها}: أي إذا سمعتم الكفر والاستهزاء بآيات اللّه تعالى.